*** فى رحاب سيدنا السيد ***
...قصة حياة فنان الشعب " سيد درويش "
..يا عشاق النبى صلوا على جماله .." الحلقة السادسة "
..عاد سيد درويش من رحلته الآولى من الشام بعد أن أمضى فيها تسعة أشهر كاملة عاد خاوى اليدين فلا مال جمع ولا نال شهرة كان يأمل بها ، وزادت الحياة أعبائها عليه فأضطر للعمل بعدد من المقاهى ثم كاتب بمحل لصنع الآثات ملك صهرة المتشدد ، ولما عاوده الحنين للفن لم يجد إلا بار متهالك " بار كوستى " ليقدم فيه بعض مما يعرفه من ألحان الشيخ سلامة حجازى أو مما تعلمه على يد عملاق الفن الكبير الآستاذ "عثمان الموصلى " وكل ذلك فى مقابل قروش قليلة ليسد بها رمق أسرته التى كان مسئولاً عنها من أمه وزوجته وأبنه الرضيع والذى رزق به يوم سفره فى رحلته الآولى الى الشام ، تحمل كل ذلك بصبر وجلد وهو الذى يحمل فى رأسه أبداعاً كتب له أن يغير كل القواعد الموسيقية السابقة عليه ويكون الثائر الآول الذى يغير بفن وعلم وأبداع كافة القواعد الموسيقية السابقة ، وعلى الرغم من كل هذه المشقة كانت الآقدار تتربص لسيد درويش فى كل خطواته لتقف حائلآً بينه وبين أتمام رسالته ‘ فهذا صهره المتشدد يخيره بين بقاء شقيقته الكبرى على ذمته أو يطلقها إذا لم يرتدع سيد درويش ويترك الغناء فى بار كوستى ، وعلى الرغم من قوة شخصية سيد درويش وأعتداده بنفسه إلا أنه رضخ فى النهاية لطلب صهره خشية على شقيقته وأن يحرم منها أو يكون سبباً فى طلاقها وخراب بيتها .
** فرج من بعد ضيق **
عامان كاملان مروا على رحلته الآولى والتى كان عمره فيها سبعة عشر عام واليوم هو على مشارف العشرين فنحن فى العام 1912 ، وها هو يجلس حزيناً على أحد المقاهى ينعى حظه العثر وإذا به يلتفت على صوت يعرفه جيداً
- شيخ سيد يا شيخ سيد
- مين سليم أفندى عطا الله
- واينك يا شيخ سيد بعطرنا ألارض بندور عليك
- يا أهلا يا أهلا سليم أفندى واحشنا ووحشانا أيامك وأزى أمين أفندى
- مناح كلنا مناح أسمع مافى وقت أحنا صار لنا شيى أسبوعين بندور عليك ما عرفنا ليك محل لولا اولاد الحلال دلونا عليك وقالوا بيقعد فى ها المقهى
- خير يا سليم أفندى تؤمر
- أسمع شيخ سيد أنت ما حالفك الحظ بالمره الى مضت بس نحنا ها المرة ناوينها عن جد تياتروا جديد ومزيكا جديدة ومرسح وموشحات وكل شيى
- يا دين النبى انت بتتكلم جد يا سليم أفندى
- شو أكيد بنتكلم جد يلا يلا مافى وقت الوابور بيقوم الصبح من المينا سبعة الصبح أوعى تقول ما أنك جاى معانا عن جد نزعل
- يا فرج الله يا سليم أفندى ده أنى زعقلى نبى والمرسى الله أكبر
- طيب يلا ولا تهمل وقت بكره تكون بكير بالمينا وشد حيلك يا بطل الناس كلها ها المرة ناطرينك وناطرين ألحانك وطقاطيقك وأدوارك أياك تنسى
- أنسى ده لايمكن أبداً من النجمة حنكونوا فى المينا
...كانت هذه هى أهم وأسعد لحظة تمر فى حياة سيد درويش بل أنها كانت هى طلقة البداية الحقيقية للآعلان عن بداية تاريخ جديد للموسيقى العربية والشرقية سيكتبها ويخط حروفها شاب فقير من ألاسكندرية أسمه سيد درويش البحر .
***ملحوظة قبل الآسترسال ***
الآمانة العلمية تقتضى علىنا وقبل الآسترسال فى رحلة حياة سيد درويش المثيرة والقصيرة والمليئة بالمفاجئات أن نعرض بأمانة شديدة الى ان نذكر الذى وفقنا الله للحصول عليه من أعمال هذا الرجل العظيم وأن نكون أكثر صدقاً مع أنفسنا وأن نذكر كذلك وبشجاعة ما لم نستطع أن نتحصل عليه وهو كثير جداً ، وحتى لانتعرض للتجهيل أو النقض نقول أن رحلة سيد درويش الثانية الى الشام ومنها للعراق والآناضول و تركيا والتى كانت بالعام 1912 أن نقول أن هناك عمل قد وجد لفنان الشعب وهو " رواية اوديب الملك " قدمته فرقة العظيم جورج أبيض وأن هذه الرواية قدمت فى العام 1912 وهو العام الذى بدأ فيه سيد درويش رحلته الثانية ولانعرف بالتحديد هل لحن سيد درويش أحد ألحانها قبل السفر أو بعده وكل الذى نستطيع أن نذكره هى أن رواية " أوديب الملك " وهى من أهم الآعمال فى تاريخ الآنسانية والتى ترجع إليها ما نتعارف عليه " بعقدة أوديب " لمؤلفها " سوفكليس " الآغريقى والذى قدمت فى العام 429 قبل الميلاد والتى تدور أحداثها فى مدينة " ثيبة " ( اليونان القديمة ) والذى قدمت بمراجعات كثيرة ومنها المصرية للعملاق الكاتب الكبير " الاستاذ توفيق الحكيم " ، وبكل الآحوال قد وجب التنويه لعثورنا على هذا العمل فى عام 1912 من تقديم فرقة جورج أبيض وهى مسرحية غنائية قام بتلحينها العملاق العظيم " الشيخ سلامة حجازى " وهى عبارة عن عدد خمسة ألحان لحن سلامة حجازى منها أربعة ألحان و الخامس قام بتلحينة سيد درويش وهو ( قصيدة أن هذا اليوم أن صح المقال ) " لحن الحيرة مقام نهاوند " والتى جائت أبياته تقول
..إن هذا اليوم أن صح المقال .......... وقعه أصعب من طعن النصال
أصحيح أم كذب و همـــــــــا ..........ليته يكذب فيما زعمـــــــــــــــــا
- كانت هذه ملاحظتنا فقط ونكرر أننى لم أتحقق فيما إذا كان هذا اللحن قدمه سيد درويش قبل السفر فى رحلته الثانية عام 1912 أم أثناء سفره أو بعد السفر.
*** سيد درويش فى الغربة وتحقيق الذات ***
كان لآخفاق سيد درويش فى رحلته الآولى أكبر ألاثر على نفسيته فهو لم يحقق ما تمناه خلال العشرة أشهر الذى أمضاها فى الشام وعاد بخفيى حنين وكل ما أكتسبه تعرفه على العملاق الكبير أحد أعظم موسيقين الشرق الاستاذ " عثمان الموصلى " والذى أخذ منه وتعلم الكثير جداً ولذلك فقد زاد اللغط عليه وحاول بعض المغرضون أن يقولوا أن سيد درويش قد أخذ بعضاً من ألحان الموصلى ونسبها الى نفسه وهو قول غير صحيح بالمرة وسنكشفه تباعاً لكم من خلال التحقيق باللحن و التاريخ وشهود العيان عليه ، ولعلى من أبرز ما نسب الي سيد درويش زوراً فى هذا الآمر طقطوقة " زرونى كل سنه مرة " والتى قال البعض أنها من ألحان الموصلى وأصلها " زوروا قبر الرسول مرة " والتى كذبها الاستاذ يونس القاضى وقال انه من كتب كلماتها بناء على واقعة غرام بين سيد درويش ومحبوبته وملهمته " جليلة " بعد خصام وقع بينهما وان سيد درويش قام بتلحينها فى حضور يونس القاضى وعدد من أصحابه ، وسنعود لهذه المغامرات تباعاً فى الحلقات القادمة أن شاء الله .
وصل سيد درويش الى الشام وهناك كان قد قرر أن يثبت ذاته بكل ما أتيح له من قوة ، ولكن كيف يكون ذلك ولاتزال الآسماء الكبرى تحتل الصفوف الآولى فى عالم الالحان والغناء والشهرة وعلى رأسهما الموصلى أستاذه و العملاق سلامة حجازى الذى لايستطيع أن ينافسه أى مطرب أو ملحن أخر ؟
*** سيد درويش يفجر قنبلة الشام ***
عمل سيد درويش فى فرقة الآخوين سليم وأمين عطا الله فترة طويلة وفى هذه الآثناء كان ينهل من علم أستاذه الموصلى وقد تحسنت أحواله المادية كثيراً فى هذه الرحلة ولكنها لم تكن تكفى لسد أحتياجات أسرته بالآسكندرية ولذلك كان عليه أن يتجرأ ويقوم بتأليف بعض الآلحان حتى يكون عائدها مصدراً للرزق ، وهنا يجب أن نتوقف الى تحليل وشهادة للدكتور الموسيقار" فتحى الخميسى " والذى قال عن هذا " أن سيد درويش بحثاً عن لقمة العيش فى الشام لاحظ أن أهل الشام يطربون للطقاطيق الخفيفة التى تمتعهم وتجاوباً مع لغتهم فأن سيد درويش قام بتلحين واحدة من أهم الآعمال التى عرفها الشوام ولاتزال و التى بسببها ظن الكثير من الشوام أن سيد درويش سورى الجنسية وأنه من أهل الشام فهذا المزاج الذى قدمه سيد درويش قد أطربهم وسحب البساط من عمالقة التلحين المتعارف عليهم وهو اللحن الجميل لطقطوقة " العزوبية طالت عليا " وهى التى قامت السيدة الفنانة العظيمة " فيروز " بتقديم نفس اللحن مع تغير فى الكلمات وقدمتها بأسم " بنت الشلبية " ، أما أغنية العزوبية بذات اللحن و الكلمات فقد قدمها كبير مطربين العرب الاستاذ " صباح فخرى " وهى واحدة من أهم وأعظم أعماله والتى دائماً ما تلاقى نجاحاً كلما قدمها فى حفلاته الكبرى ، وتعالوا سوياً نتزوق كلماتها وهى كا لآتى :-
العزوبية طالــــــت عليا..................العزوبية طالت عليــــــــــــــــــــــا
قومى أخطبيلى يا ماما واحدة صبية .... قومى خطبيلى يا ماما واحدة صبية
عروسة خاطبة ماتكونش مطالبة .... عروسة خاطبة ما تكونش مطالبة
هاتى العروسة يا ماما وخديلى هدية .... هاتى العروسة يا ماما وخديلى هدية
من بحر فنك ويهدينى منك ..............من بحر فنك ويهدينى منك
واحدة اميرة يا ماما بعيون عسليه ....واحدة اميرة يا ماما بعيون عسلية
العزوبية طالت عليــــــــــا........... قومى اخطبيلى يا ماما واحدة صبية
....وهكذا بدأ سيد درويش رحلته الثانية بأنقلاب فنى موسيقى لفت أنتباه الشرق كله الى هذا العملاق القادم بقوة ليغير كل القواعد الموسيقية القديمة ويبدأ عهد جديد لعبقرى أسمه سيد درويش
والتى لم تكن أغنية العزوبية وحدها كل أعماله ولكن تبعها أعمال أخرى كثيرة سنستعرضها أن شاء الله فى حلقاتنا القادمة
كل عام وحضراتكم بخير وعيد سعيد على الجميع وعلى كل مصر ونلتقى وأياكم فى الحلقة السابعة أن شاء الله بعد أنتهاء أجازة عيد الفطر المبارك أعادة الله عليكم بكل خير ..
*** ( كتب / مصطفى ابراهيم طلعت )
شكرا لك .. الى اللقاء
*
*
ليست هناك تعليقات: