** فى رحاب سيدنا السيد ***
" قصة حياة خالد الذكر سيد درويش "
...... الحلقة الرابعة ..... يا عشاق النبى صلوا على جماله
** هيلا هيلا صلى على النبى **
أستكمالاً لما ورد فى الحلقة الثالثة من قصة حياة خالد الذكرسيدنا السيد " سيد درويش " والذى لعبت به الآيام تارة فوق وتارة تحت ، وكلما أوشك على أن يمسك حلمه بيده يجده قد تبخر من بين أصابعه ، وبعد أن كان الآقرب الى التصيت و معرفة الناس بصوته وتلاوته وتواشيحة تقسوا عليه الحياة لينتهى كعامل بناء " مناول عمال " ضمن كتيبة ليست من الموسيقين ولكن من الفعله الفقراء المطحونين الساعين للقمة العيش وبعد أن كان يحمل عوده ليخرج منه أبدع النغمات هاهو يحمل الطوب والحجارة والزلط ويكون يومه من مطلع الشمس الى مغربها عمل وعرق ودموع .
** حديث الحجارة **
فى أول يوم لبطلنا الشاب الصغير سيد درويش فى عمله كفاعل أو عامل بناء كان عليه أن يحمل " مشنه مليئة بالحجارة من زلط وطوب وخلافه من مواد البناء الثقيلة القاسية على يديه التى لم تخلق لمثل هذا العمل ، وكانت عادة العمال أن يهونوا على أنفسهم أثناء العمل بأصدار بعض الترنيمات التى تبدوا متسقة مع بعضها وذلك من باب التشجيع لبعضهم البعض ولمحاولة قتل الوقت فكانوا يرددون كلمات بسيطة ويظلوا على هذا المنوال ساعات طويلة ، وتجدر الآشارة هنا الى أن هذه العادة المصرية الصميمة تعود الى ألاف السنين وهى عادة أبتدعها أجدادنا القدماء المصرين وظلت مستمرة معنا الى الآن ، ولكن عندما يكون ضمن هؤلاء العمال سيد درويش فأنه قطعاً سيختلف الآمر ، فرأس سيد درويش المليئة بالموسيقى لن تتساوى أبداً مع ما يردده أقرانه من العمال ، وهنا بدأ سيد درويش فى أبتداع نغمات جديدة كانت أكثر تشجيعاً وتحفيزاً للعمل ، فكان يقول على سبيل المثال مع ضبط الآيقاع واللحن والنغمة " هيلا هيلا ...صلى على النبى ... يا مهون ....صلى على النبى ... هون يا مهون ...صلى على النبى...ما تشد حيلك ...صلى على النبى والخير يجيلك ...صلى على النبى ...أجمد يا بشندى صلى على النبى ..وتعالى عندى ...صلى على النبى .. وهكذا يستمر الآمر ليتحول العمل الجاف بين الطوب والحجارة والحديد الى جوقه موسيقية ويكون أبطالها فريق العمال الجماعى ومسرحها ما يتم بناؤه ؛ وقد لاحظ صاحب العمل المقاول أن غناء سيد درويش يحفز العمال أكثر وأكثر حتى أنهم يتباطئون فى العمل الى أن يأتى سيد درويش ويبدأ فى الغناء فتدب فيهم الحياة من جديد وتزداد وتيرة الآنتاج ، فقرر أن يكتفى السيد درويش فقط بالغناء ويقوم العمال بدلاً منه بالعمل ، وكعادته أنتشر هذا الآمر فى الاسكندرية وأصبح يأتى الناس فى موقع البناء ليستمعوا لغناء سيد درويش وهو يحفز العمال ثم يأخذون فى التصفيق له وتشجيعه مستحسنين ما يقوم به من غناء جديد للعمال .
** المعجزة أسمها أمين وسليم عطا الله **
فى أحد الآيام من العام 1909 وأثناء ما كان سيد درويش يقوم بالغناء للعمال تصادف مرور رجلان بالقرب من موقع العمل فشاهدوا جمع من الناس يجلسون أمام بناية يقوم العمال ببنائها وهم فرحين بأحد العمال الذى كان يغنى للعمال بأنغام عذبة جميلة وأن بقية العمال تردد خلفه لزماته التى كان ينشدها ، وقد تعجبوا كثيراً من هذا المنظر الغريب وكيف يجتمع الناس ويتركوا أشغالهم ليستمعوا ويطربوا لهذا الفتى الذى يبدع بالآلحان للعمال ، كان الرجلان هما الآخوين أمين عطا الله وشقيقه سليم عطا الله وهما شقيقان مصريان من أب لبنانى الآصل ولهم باع فى فن التمثيل المسرحى ، ومن شدة أعجابهم بغناء سيد درويش قاموا بالسؤال عنه ومن يكون ؟ وقال لهم صاحب المقهى التى كانوا يجلسون عليها
- ده الشيخ سيد درويش البحر شيخ و فنان ومنشد وحافظ كتاب ربنا ويا ما كان ليه ليالى يحضرها السميعه الكبار أوى ، بس الزمن وحش والواد راجل حوجه الزمان يشتغل بأيده رغم نعم ربنا عليه
جلس الآخوان أمين وسليم على المقهى وراحوا يستمعون بعمق لما يردده سيد درويش من ألحان وأدركوا أن هذا الفتى ليس مكانه أن يكون عامل بناء أبدا وأنه يحمل موهبة كبيرة يجب أن تخرج للعلن ، وعليه طلبوا أن يأتى إليهم ، فقام صاحب المقهى بالنداء عليه
- شيخ سيد يا شيخ سيد الآفندية بيسألوا عليك
حضر سيد درويش مرحباً بهما وهو لايعرف من هؤلاء وماذا يريدون منه
- أنا أمين عطا الله وأخويا سليم أفندى عطا الله وسمعناك يا شيخ سيد وصوتك جميل وعاوزين نسألك الآلحان دى أنت الى مألفها ؟
- ( ضحك سيد درويش وهو يقول لهما )
- دى ألحان تفاريح يا أسيادنا لجل الجماعة ما تشد حيلها
- عظيم لكن دى ألحان حلوه وجديده أنت دارس مزيكا يا شيخ سيد
- أومال دارس مزيكا شرقى وتركى وعجمى ورومى ونعرف نقول طقاطيق و أدوار( 2 ) وتواشيح وقصايد كمان
- عظيم جدا سمعنا حاجه يا شيخ سيد
- كده من غير مزيكا
- مش مهم انت سمعنا وأحنا نحكم
- طيب حنسمعوكم دور للآستاذ أبراهيم القبانى ( 1 ) وبدأ سيد درويش فى الغناء وقد أستحسن الضيوف صوته وأداؤه ، وطلبوا منه أن يسافر معهم الى الشام فى خلال بضعة أيام لعمل مسرح هناك للتمثيل والغناء ، وافق سيد درويش على الفور على طلبهم على الرغم من أن زوجته كانت على وشك أنجاب مولوده الآول ، إلا أن عشق سيد درويش للفن و الموسيقى وأيمانه بأنه يحمل رسالة فنية كبيرة ستغير كل أشكال وأنماط الموسيقى فى مصر والعالم العربى ، وبناء عليه أستعد سيد درويش لرحلته الآولى الى بلاد الشام ليتعرف أكثر وأكثر على كبار الموسيقين وألحانهم ومقاماتهم الغير معروفة فى مصر
....والى اللقاء فى الحلقة القادمة لنتابع سوياً رحلة سيدنا السيد فى الشام وكيف كانت والصعوبات التى واجهته وهل نجح فى رحلته هذه أم أن سوء الحظ ظل ملازماً له
*** المصطلحات ***
ابراهيم القبانى ( 1 ) ملحن ومطرب مصرى من رواد القرن التاسع عشر ويعتبر أحد الذين تأثر بهم سيد درويش رغم حدوث خلاف كبير بينهما أدى الى أن يشهر ابراهيم القبانى المسدس فى وجه سيد درويش بعد أن قام الآخير بأضافة الآهات فى دور " المحاسن واللطائف " ظناً منه أن سيد درويش ينسب اللحن لنفسه وأنه أضاف الآهات لتنسب إليه ، ولكن تم الصلح بينهما بعد أن أقنعه السيد درويش أنه أضاف الآهات لآعجابه بالدور فقط وأن القبانى هو مؤلف اللحن .
- الدور ( 2 ) الدور هو قالب غنائى مصرى له مكانة كبيرة فى الغناء العربى ، ظهر فى أوائل القرن التاسع عشر ويكتب بالزجل ويتألف من قسمين ، الآول المذهب والثانى الدور
( وسنعود لشرحه بالتفصيل فى شرح الحلقات القادمة )
....كتب / مصطفى ابراهيم طلعت ...
شكرا لك .. الى اللقاء
*
*
ليست هناك تعليقات: