..فى رحاب سيدنا السيد ..قصة حياة سيد درويش " يا عشاق النبى صلوا على جماله "
....الحلقة الثانية ....
**نشأته وتعليمه **
مات المعلم درويش البحر ولم يهنأ بولده السيد والذى لم يكن عمره يوم وفاة والده قد تخطى السابعة من العمر ، وسرعان ما تبدلت الآحوال وفقد السيد مع فقدان والده المعنى الحقيقى للحنان فقد كان والده يحبه كونه الذكر الوحيد على الثلاثة شقيقات " فريدة وستوته وزينب " وتحكى والدته " ملوك بنت عيد " أن السيد درويش وهو لايزال رضيعاً لم يتعدى عمره أربعين يوما كانت كلما أرضعته وهمت بالغناء له كان يترك ثدى أمه ويجول ببصره وعيناه الصغيرتان الى مصدر هذا الغناء ، وأنه كان إذا بكى وهمت أمه بتهدئته ببعض الآلحان فأنه كان يتوقف عن البكاء تماماً ويحرك رأسه نحو مصدر الصوت ، وهكذا ولد سيد درويش فناناً بالفطرة حتى وهو لم يتعدى الآربعين يوماً من حياته .
قبيل وفاة والده المعلم درويش البحر كان قد ألحقه بكتاب ( سيدى أحمد الخباش ) ولكن لضيق ذات اليد وبعد وفاة الآب أضطرت أمه الى نقله الى مدرسة أهليه كان قد أفتتحها شاب من أهالى كوم الدكه أسمه " حسن أفندى حلاوة " وفى هذه المدرسة تلقى سيد درويش أول شعاع للموسيقى ذلك أنه كان من ضمن مدرسين هذه المدرسة مدرس يدعى " سامى أفندى " وكان مولعاً بحفظ الآناشيد والسلامات * ( 1 ) وكان يلقنها للتلاميذ وقد برع التلميذ سيد درويش وفاق كل أقرانه حتى عينه سامى أفندى " الآلفه " على المدرسة وظل سيد درويش بهذه المدرسة قرابة العامين يحفظ فيها القرأن الكريم و الآناشيد و السلامات حتى أغلقت وتم أفتتاح مدرسة أخرى هى مدرسة " شمس المدارس " والتى كانت ببحرى فى شارع سيدى الحلوجى فأنتقل اليها الطفل سيد درويش والذى تصادف أن يكون أحد مدرسيها وهو نجيب أفندى فهمى والذى كان مما يجيدون حفظ ألحان الشيخ سلامه حجازى **( 2 )
** مطرب الحارة **
أنتشرت شهرة سيد درويش وقدرته على الغناء و إلقاء التواشيح و الآبتهالات فى منطقته " كوم الدكة " وقد أستحسن صوته العديد من أهالى هذا الحى فكان فى كل يوم بعد عودته من المدرسة يجتمع مع أقرانه من أهالى الحى ويضعونه فوق أحد الصناديق الخشبية ويأخذ فى الغناء وأهالى الحى تردد خلفه ما يلقيه من أغانى وتواشيح و هم فى غاية السعادة و السرور " ويجب الآشارة هنا أننا بصدد زمن لم يكن فيه وسائل للترفيه إلا ماندر وعرف منها وعلى سبيل المثال الحكائين " مطربين الربابة وما يقدموه من قصص وحكايات عن أبو زيد الهلالى و الزناتى خليفه والتى كانوا يقدمونها بشكل غنائى على ألة الربابة ، ولذلك فقد كان ما يقدمه الطفل سيد درويش فى كل ليلة لهم هو لون من المتعة وكانوا يطلبون منه ان يغنى بعض من ادوار عمالقة الطرب فى هذا الزمن امثال سلامة حجازى وابراهيم القبانى ومحمد عثمان و الشيخ أحمد ندا والشيخ حسن الآزهرى ، وكان يقوم هذا الفتى بتلبية رغباتهم وهم فرحين به أشد الفرح ، وكالعادة كان يمر الوقت ويعود الى بيته ليأخذ نصيبه من الضرب و التعنيف من أمه والتى كانت تخشى عليه من هذا الطريق ولم تكن تعلم أبدا أن ولدها هذا الذى تعنفه أشد التعنيف ليكف عن طريق الغناء و الموسيقى أنه سيكون أعظم مجدد فى تاريخ الموسيقى العربية فى كل الشرق وأن شهرته ستجوب مصر والشرق كله وأن أسمه سيظل خالداً حتى بعد وفاته على مر العصور .
** المواجهة الكبرى **
فى العام 1905صدر أمرا خديوياً من جناب خديوى مصر الخديوى عباس بأنشاء ( المعهد الدينى العلمى ) بالآسكندرية برئاسة الشيخ محمد شاكر و كانت الدراسة فيه فى السنة الاولى بمسجد سيدى المرسى أبى العباس و السنة الدراسية الثانية بمسجد الشوربجى بالسكة الجديدة فأنتسب سيد درويش لها ، وذات يوماً دعاه الشيخ أحمد الشباسى عميد المعهد الدينى للمشاركة فى إحياء حفل فى منزله بمناسبة ميلاد أحد أبنائه وأيضاً للآستماع الى الشيخ " حسن غميض " الذى سيحى هذه الليلة ، جلس الشيخ حسن غميض بكبرياء شديد أمام الحاضرين وقد أصابه قدراً كبيراً من الغرور أثناء أدائه لبعض الموشحات *** (3 ) فى أسلوب لم يعجب الثائر بطبعه سيد درويش و الذى لم يستطع الصبر على مجاملات الحاضرين المزيفة لهذا الشيخ المتكبر المغرور فأندفع بين المدعوين منشداً حتى أسكت الشيخ المغرور بعد أن حاز بصوته وقوة أدائة على قلوب المستمعين الى درجة أن أنفعل أحد الحاضرين وكان رجل تركى ويعمل قبطاناً على أحدى البواخر فقام يحث الناس على التبرع لهذا المنشد الصغير ، وجمع من المال مايكفى لشراء عمامة وجبة وقفطان وعصا ليعود سيد درويش قرابة الفجر الى أمه وهو شيخاً معمماً ،ومن هذا اليوم تحول أسم السيد درويش الى أسم الشيخ سيد درويش..
....تعريف المصطلحات ...
1/ السلامات ...( السلامات أداء غنائى يؤديه كل المشتركين فى العرض المسرحى قبل رفع الستار وفى نهاية العرض وهو لون يقترب من الآناشيد المدرسية وكلماتها لاتخلو من الترحيب بالمشاهدين والدعاء للخليفة العثمانى و خديوى مصر وتستخدم بكثرة الآيقاعات العربية فى ألحانها مع التنويع أحياناً بأكثر من إيقاع ) .
2/ الشيخ سلامه حجازى ..( هو 1852:1917 فنان سكندرى المولد من رأس التين وأحد أهم رواد العمل الفنى فى تاريخ الموسيقى المصرية ، مطرب وفنان مسرحى وملحن أستمعت إليه الفنانة العالمية سارة برنارد وقالت انه من أجمل الآصوات فى العالم قدم العديد من الآعمال الفنية و قدم العديد من الآدوار وهو أول من أمن بعبقرية سيد درويش وأعطاه فرصة للغناء بين فصول مسرحياته ..أصيب بالشلل فى أخر أيامه حتى توفى فى العام 1917 وسيتم العودة إليه بشكل أكثر تفصيلاً ) .
3/ الموشح ( قالب من قوالب الغناء العربى يرجع عهده لآكثر من ألف سنة " بعد فتح العرب للآندلس ، كان الموشح ينظم بالشعر ثم بدأ يدخله بعض الآلفاظ العامية ، كما أنه لايرتبط بميزان شعرى واحد مما يكسبه نوعاً من التلوين " ولسيد درويش حوالى أربعين موشحا من مختلف المقامات و الآيقاعات كما أبتكر بعض الآيقاعات التى تنسب اليه وحده مثل إيقاع ( فكرتى ) و الذى لحن منه موشح " يا صاحب السحر الحلال " ) .
.....( يتبع بأذن الله....كتب / مصطفى ابراهيم طلعت )
شكرا لك .. الى اللقاء
ليست هناك تعليقات: